شكل اتفاق اعلان المبادئ (اوسلو I) عام 1993 مدخلا نحو تبني استراتيجية سلام بين منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وبين حكومة اسرائيل. وعلى الرغم من عدم حصول الاتفاق على اجماع عند اي من الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، الا ان الاغلبية المطلقة اعطته زخما ادخله في مفاوضات ومرحلة انتقالية وتشكيل سلطة وطنية بحيث استطاع الجانب الفلسطيني ان يعطي الاتفاق شرعية من خلال الانتخابات المباشرة للمجلس التشريعي ولرئاسة السلطة الوطنية عام 1996. وعلى العكس من ذلك فقد اسقطت الانتخابات الاسرائيلية في نفس العام منهج اوسلو الذي كان يمثله حزب العمل ومرشحه شيمون بيريز لصالح نتنياهو وحزب الليكود المعارض للاتفاق ولكل ما نتج عنه. اصبح واضحا ان استراتيجية السلام الفلسطينية يقابلها في الجانب الاسرائيلي استراتيجية حرب. وكانت هبة الاقصى في ايلول سبتمبر 1996، تشكل ردة الفعل الشعبية من اجل الحفاظ على استراتيجية السلام ومنجزاتها. وقد لعب الرئيس كلنتون دورا فاعلا في الحفاظ على زخم عملية السلام من خلال الضغط الذي مورس على حكومة نتنياهو، وخاصة فيما يتعلق بالانسحاب من مدينة الخليل، اسوة بالمدن الفلسطينية الاخرى. وقد شكل توقيع نتنياهو على بروتوكول الخليل، وتسليم اجزاء اساسية من المدينة للسلطة الوطنية، دعما لاستراتيجية السلام خاصة وان البروتوكول قد حظى باغلبية كبرى عند التصويت عليه في الكنيست فاقت ثلثي الاصوات (87 صوتا) الامر الذي اعطى انطباعا ان نتنياهو يمكن ان يكون رجل السلام المدعوم من الكنيست بشكل يفوق رابين الذي لم يحصل سوى على (61 صوتا) لتمرير اتفاق اوسلو في الكنيست بما فيها اصوات النواب العرب. ولكن اعضاء الليكود الذين عارضوا بروتوكول الخليل خشية من انتصار استراتيجية السلام، التي تتعارض بشكل سافر مع منطلقات واهداف الليكود ولاءاته الثابتة للدولة الفلسطينية وللقدس ولحق العودة ولازالة المستوطنات، فرضوا على نتنياهو تصعيد حملة الاستيطان في جبل ابو غنيم لكي يشكل ذلك مدخلا لفرض وقائع نتائج الحل النهائي على الارض، بما ينسجم مع سياسة الليكود. وعلى الرغم من كل محاولات كلنتون لدعم عملية السلام من خلال اتفاق نهر الواي، الا ان انجراف نتنياهو نحو استراتيجية تخفيض توقعات الشعب الفلسطيني ومحاولة فرض الاذغان عليه لقبول ما ينتهك الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني ادى الى اسقاط حكومة نتنياهو في انتخابات مبكرة، وصعد ايهود باراك، الليكودي النزعة والذي استولى على رئاسة حزب العمل في غفلة من الزمن. التزم باراك نفس سياسة نتنياهو في محاولة لفرض انتهاك قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقدس وحق العودة والمستوطنات التي رفضها الوفد المفاوض في كامب ديفيد برئاسة الاخ ابو عمار. وجاءت مقترحات كلنتون التي صاغها دنيس روس مع باراك لكي تحمّل الجانب الفلسطيني مسؤولية تخريب عملية السلام. وقد اعلن باراك، بعد ان شُنَّت عليه حملة بسبب ما سمي تنازلات في موضوع القدس، انه كان ينوي فقط كشف موقف السلطة الفلسطينية وانه كان يعرف ان عرفات لن يوافق على هذا العرض. ومن هنا كان عليه العودة الى استراتيجية الحرب التي كان شارون احد ابرز ادواته لتفجيرها عبر إغارته على المسجد الاقصى المبارك مع الاف الجنود، مما دفع الى استنفار المناعة المكتسبة لاستراتيجية السلام عبر انفجار انتفاضة الاقصى التي حرصت ان يكون شعارها التمسك بالثوابت التي تمسك بها الوفد المفاوض في كامب ديفيد، وهي عروبة واسلامية الاقصى والقدس وحق العودة وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس المباركة خالية من المستوطنين والمستوطنات .
واندفع باراك راكبا طائراته ودباباته وصواريخه التي ورَّثها للسفاح شارون ليكمل المشوار الدموي بعيدا عن اي التزام او انضباط بتعهدات واتفاقيات سابقة كما كان حال باراك الذي لم يكن قادرا رغم انفجار الانتفاضة على عدم الاستمرار في عملية التفاوض، الامر الذي رفضه شارون بالمطلق. ولا يزال بعد مرور عام كامل ينتظر وقف الانتفاضة وما يسميه العنف لمدة اسبوع كامل حتى يوافق على الدخول في عملية التفاوض.
يقول الكثيرون ان شارون ليس لديه مشروع سياسي.. وهذا الموقف ينطلق من فهمهم لمشروع يمكن الاتفاق عليه مع الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية. ولكن الحقيقة تؤكد انه صاحب مشروع سياسي متكامل.. لا يمكن تحقيقه بالمفاوضات الندية وانما بالاكراه. ففي الوقت الذي لم يستطع الاخ ابو عمار الموافقة على مقترحات كلنتون التي تعطي الانطباع الخادع على الانسحاب من 95% من مساحة الضفة الغربية في حين هي في الحقيقة تقتطع من الضفة 18% التي هي المساحة من البحر الميت واصبع اللطرون والمنطقة الحرام والقدس فتكون ال95% من ال 88% وتساوي 77% فقط من مساحة الضفة الغربية. وهذه المساحة معرضة للنقص من خلال المطالبة باقتطاع 5% تأجير 3% لمدة 999 سنة ليبقى فقط 69% وهي تشكل مساحة المناطق التي تم الانسحاب الكامل او الجزئي منها A-B وتعادل 42% اضافة الى 27% لتشكل اربعة كانتونات معزولة عن بعضها البعض ثلاثة في الضفة الغربية والرابع في قطاع غزة.
هذا العرض لم يكن فرصة ذهبية كما يدعي البعض، وخاصة اولئك الذين يعتقدون ان ما يطرحه شارون من سياسة القوة هو قدر لا بد منه. فمشروع شارون السياسي يقوم على الاكتفاء بما يتم الانسحاب منه وهو 42% مع بعض التحسينات على ان تبقى القضايا الخاصة بالوضع النهائي خاضعة للمفاوضات في مرحلة انتقالية طويلة الامد وخاضعة لمواقف شارون والليكود ولارائهم المعهودة.
لقد استطاع باراك ومن بعده شارون إجتذاب الانتفاضة الشعبية الى ساحة المواجهة العسكرية حيث يغيب التكافؤ. فالانتفاضة باعتبارها تعبيرا عن ضمير الشعب بهيئاته المدنية والرسمية وقواه الوطنية والاسلامية، التي ترفض المساس بالثوابت الوطنية وتسعى لكسب الرأي العام العالمي والعربي والاسلامي، وكذلك الرأي العام الاسرائيلي الذي يدفع ثمن حماقات شارون وباراك. ومن الضروري هنا التأكيد على ان الانتفاضة الشعبية والفعاليات المدنية السلمية تتكامل مع حق المقاومة المشروع لانهاء الاحتلال والاستيطان وخاصة في المناطق التي تقرها الشرعية الدولية كمناطق محتلة، عليها تقوم الدولة الفلسطينية بما فيها عاصمتها القدس المباركة في حدود الرابع من حزيران 1967.
اخذ التصعيد العسكري الاسرائيلي ضد الانتفاضة وفعالياتها المدنية اتجاها يفرض ردود الفعل العسكرية، سواء ضد الجيش او المستوطنين او المدنيين في الاراضي المحتلة عام 1948. واصبحت العسكرة هي الطابع الغالب في المواجهة. وتراجعت الفعاليات والمشاركات الشعبية في كثير من المناطق. وتحول الوطن الى ساحة قتال ومواجهة عسكرية غير متكافئة، دفعت العدو الى السيطرة الكاملة على الطرق وتقطيع الوطن الى اشلاء، ظانا انه بهذا يمكن ان يكسر ارادة الشعب الفلسطيني. وقد استمر الصمود والمقاومة والانتفاضة رغم كل ظروف الحصار والقتل والدمار واغتيالات الكوادر والقيادات واعادة احتلال لمناطق (A) والسيطرة على كل مفترقات الطرق. ولكن مثل هذه المحاولات لم تفت من عضد الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية وقدرتها على الصمود والتصدي. وظل شارون الذي حظي برعاية خاصة من حكومة بوش، فالضوء الاخضر الذي طلبه لانجاز مهمة تدجين الشعب الفلسطيني والسلطة في المئة يوم الاولى من حكمه تحولت الى شمس خضراء ساطعة ليلا ونهارا والى اجل غير مسمى، وخاصة بعد تبني الادارة الاميركية ومبعوثوها لأحجية السبعة ايام الهادئة التي كان شارون قادرا باستمرار على خرقها من خلال استدراج ردود الفعل. وعلى الرغم من مرور اكثر من اسبوع بل اسابيع هدوء من الجانب الفلسطيني انضباطا من جميع القوى لنداء الاخ ابو عمار بوقف اطلاق النار. الا ان شارون رفض الاعتراف بذلك، واستمر في ابتكار اساليب الاستدراج التى وصلت الى حد انفجار احداث مبهمة تحمل بصمات المخابرات الاسرائيلية. وقد حاول شارون ركوب موجة رد الفعل الاميركي بعد احداث 11 سبتمبر، ولكن حاجة الادارة الاميركية للموقف العربي والاسلامي ضيع عليه الفرصة الى حين استطاع الاميركان وحلفاؤهم تحويل الحرب في افغانستان الى نزهة قصف جنوني بدون خسائر تذكر من الجانب المعتدي وخسائر لا تحصى من الابرياء الافغان.
كانت الانفجارات في القدس وحيفا والتي جاءت في توقيت لم يكن باستطاعة شيطان شارون ان يحدد مثله، حيث استطاع شارون بعده استقطاب الموقف الاميركي، المنحاز اصلا، الى درجة التسليم لشارون بكل ما يريد وما يستطيع فعله دون حدود.
كان الجنرال زيني مبعوث الرئيس الاميركي ووزير خارجيته في المنطقة. وكان شارون في الولايات المتحدة على ابواب اللقاء مع الرئيس بوش. وكانت الحرب ضد الارهاب في افغانستان اسهل من ان تحتاج الى موقف عربي او اسلامي فاستعاد شارون وصف حالته بالنسبة لاميركا التي رفضت بعد احداث 11 سبتمبر وهو ان ياسر عرفات هو بن لادن وان السلطة هي طالبان. وانه الحليف الوحيد لاميركا في محاربة الارهاب.
لقد لعبت التعددية السياسية في الساحة الفلسطينية دورا فاعلا في تحقيق الوحدة الوطنية بما يخدم الانتفاضة وفعالياتها المدنية والجماهيرية وتظل دائما ضرورة حتمية لمعركة الانتصار الحتمي. ولكن حالة التعددية العسكرية (وحارة كل من ايده اله) على ظهر سفينة يتلاطمها الموج، جعل الموقف الفلسطيني امام اختلال النظام العالمي الجديد صعب التجاوز. فالعمل الذي يستهدف المدنيين حتى ولو كان من اعمال المقاومة المشروعة يظل في حساب الارهابيين امثال شارون وبوش هو الارهاب. فارهاب الدولة المنظم هو الارهاب الشرعي والقانوني. اما المقاومة والدفاع عن النفس فهو في نظرهم الارهاب. الامر الذي وصل الى حد ادراج اسماء قوى فلسطينية مجاهدة ومناضلة على قائمة الارهاب مثل حماس والجهاد والجبهة الشعبية.. وتطالب اميركا بكل وقاحة اعتبار كل الاجنحة العسكرية للحركات خارجة عن القانون.
اصبح موقف السلطة محرجا عندما تحول شارون وابواق دعايته تصب جام اتهاماتها على الاخ ابو عمار. الذي كان الجنرال زيني قد ابلغه في زيارته الاولى انه يحضر الى المنطقة بوصفه مبعوثا من الرئيس بوش ومن وزير الخارجية كولن باول، وليس من اجل وقف اطلاق النار فحسب. وانما من اجل وضع الرؤية (VISION) الاميركية التي اعلنها الرئيس بوش والوزير باول حول الدولة الفلسطينية التي ستكون انت رئيسها موضع التنفيذ. ولكن جولة زيني الثانية جاءت في ظل انفجارات جديدة ومن ضمنها موضوع سفينة السلاح التي استولى عليها الاسرائيليون على بعد 500 كم جنوب ايلات في البحر الاحمر والادعاء بانها اسلحة للسلطة الوطنية التي لا تتيح الاتفاقيات المعقودة بين الطرفين ادخالها الى مناطق السلطة. وعلى الرغم من رفض السلطة الوطنية رسميا للاتهامات واتخاذها الاجراءات التي تؤكد نفي اي علاقة لها بالسفينة، الا ان المنطقية تفرض علينا التساؤل حول الالتزام بالاتفاقيات . من المنطقي ان الاتفاقيات تفرض هيمنة استراتيجية السلام على الطرفين.. ولكن اعتماد الجانب الاسرائيلي استراتيجية الحرب التي تنسجم مع امكانياته وقدراته ومع نفسية حاكمه السفاح شارون. فان الجانب الفلسطيني ظل يعلن بلسان الاخ ابو عمار عن تمسكه الراسخ باستراتيجية السلام. ولا يعني التمسك بهذه الاستراتيجية ان تتحول الى حالة استسلام بدون دفاع. ولذلك فان الانتفاضة والمقاومة هي جزء لا يتجزأ من عملية الحفاظ على استراتيجية السلام، فالاتفاقيات التي لم يعترف بها شارون يوما.. والممارسات التي وصلت الى حد استخدام كل انواع الاسلحة، بما فيها المحرم دوليا، هي خرق سافر للاتفاقيات اكثر من السعي للحصول على اسلحة للدفاع عن النفس. وعلى الرغم من معرفتنا بعدم وجود علاقة بين السلطة الوطنية وسفينة الاسلحة، الا اننا نؤكد ان من حق الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية والاسلامية واجنحتها العسكرية التي يجب ان تعمل ضمن اطار وحدة واحدة لتحدد الردود والعمل المناسب في الزمان والمكان، بما يخدم الحفاظ علىالمصلحة الوطنية العليا. ومن حقها الحصول على الاسلحة الدفاعية بكل الطرق والوسائل المتاحة. فنحن لا نستطيع الدخول في مسابقة نحو توازن عسكري استراتيجي مع الكيان الصهيوني المدجج بترسانة الاسلحة الاميركية من الصاروخ حتى النووي.واذا كانت سياسة شارون العسكرية الراهنة هي سد الطريق امام اي تعايش مستقبلي بين الانسان الاسرائيلي والانسان الفلسطيني على ارض فلسطين من خلال تكريس زرع الاحقاد والكراهية، فان استراتيجية السلام الفلسطينية تفرض عدم استهداف المدنيين انطلاقا من القيم التي نتحلى بها، والتي رسخها الرسول (صلعم) وخلفاؤه الراشدون الذين كانت تعليماتهم تركز على عدم قتل شيخ او امرأة او طفل او اسير، وعدم قطع شجرة او قتل دابة. فللحرب العادلة اخلاقها، وللعدوان بشاعته التي لا يجوز الاقتداء بها. ان حصول المقاومة الفلسطينية على الاسلحة القادرة على صد العدوان ليس فقط شرعيا، وانما هو ضرورة . فالطائرات والدبابات التي تشكل مصدر قوة العدوان تقتضي الحصول على المضادات لها. اما صواريخ الكاتيوشا او اي اسلحة تتوجه نحو اهداف مدنية فهي لا تدخل في نطاق الحاجة الضرورية. فالدفاع حق مشروع للسلطة الوطنية وللدولة الفلسطينية التي لا يجوز بحال من الاحوال ان تكون منزوعة السلاح الا اذا كان يمكن للانسان ان يكون منزوع الضمير.
لقد استثمر شارون والادارة الاميركية موضوع السفينة، واصبح التركيز ينصب على شخص الرئيس ياسر عرفات. واصبحت الفرصة مواتية بالنسبة لشارون لتصفية حسابات مر عليها عشرون عاما يوم خرج من معركة صمود بيروت موصوما بالارهاب، مطرودا من وزارة الدفاع بسبب صمود ياسر عرفات والقوات المشتركة الفلسطينية واللبنانية.
مع وصول الجنرال زيني في جولته الاخيرة للتعامل مع الواقع وجد ان الجانب الاسرائيلي قد حدد استراتيجيته العسكرية ضمن خيارين قدمهما مجلس الامن القومي الاسرائيلي للقيادة السياسية:
)الاول: التعامل مع الرئيس عرفات باعتباره غير مؤهل للتوصل معه الى اي اتفاق. والدعوة لعدم المساس به شخصيا بشكل مباشر، واعتماد سيناريو الضغط التدريجي الذي يدفعه للخروج من المناطق، وعدم السماح له بالعودة، ليتحول في الخارج الى حاكم دمية او يتم استبداله بمن هو اكثر واقعية واقل تمسكا بالثوابت.
ويدعو الخيار الثاني الى ممارسة ضغط مستمر على رئيس السلطة بالتنسيق مع الولايات المتحدة على افتراض ان عرفات لن يتبنى قرارا استراتيجيا بمحاربة الارهاب، وانما يقوم باجراءات تكتيكية قد تؤدي الى هدوء نسبي. واذا تم تخفيض العنف بما فيه الكفاية، فان اسرائيل ستكون قادرة على فرض اتفاقية انتقالية مع عرفات وانتظار المسار الطبيعي للاحداث للمتابعة مع قيادة جديدة في وقت لاحق.) (الوف بن هآرتس 5/1/2002).
ويبدو ان شارون قد استبعد الخيار الاول كليا. حيث ان تجربته بعد اخراج ياسر عرفات من بيروت اثبتت ان الاخير استطاع استقطاب القوى العربية والاسامية وتفجير انتفاضة كبرى في الضفة والقطاع. اما الان فان اخراجه من المناطق لن يضعف الانتفاضة والمقاومة وانما قد يؤججها. ويبدو ان الخيار الثاني هو الذي يشكل استراتيجية شارون للتعامل مع الاخ ايو عمار ومع السلطة الوطنية.
هذه الاستراتيجية العدوانية تقوم اساسا بالتنسيق مع الولايات المتحدة التي لا تريد انهاء وتدمير السلطة الوطنية بشكل كامل. وهي لا تريد المساس بشخص ياسر عرفات..
وهي تعطي شارون الضوء الاخضر الساطع لممارسة الضغط المستمر والمتدرج والذي يعبر عن خطة جهنم المتدحرجة بنارها على المناطق واحدة بعد الاخرى.
ويعتقد شارون الذي تقف دباباته على بعد امتار من مقر الاخ ابو عمار انه يستطيع كسر ارادته وارادة شعب الجبارين الذي ينتسب ابو عمار اليه. وهو يعتقد ان مزيدا من الضغط على الشعب يمكن ان يحرضه ضد قيادته السياسية المتصلبة التي يمثلها ويقودها الاخ ابو عمار. ولكن المد الجماهيري والشعبي الذي عبر عن تمسكه بزعيمه وقائده ورمز نضاله جعل خطة شارون تتغير الى الحد الذي اصبح مخططه يقوم على ما يلي:
اولا: ابقاء ابو عمار تحت مرمى البنادق الاسرائيلية، وليس فقط المدافع والصواريخ والطائرات.
ثانيا: القيام بالمهمات المطلوبة من السلطة الوطنية والتي لا يستطيع رئيس السلطة ان يقوم بتنفيذها تحت مبدأ الحفاظ على الوحدة الوطنية، وخشيته من الحرب الاهلية التي هي اهم خيارات شارون لتحقيق اهدافه الاستراتيجية.
ثالثا: اعادة احتلال مناطق (A) حيث اصبحت لا تثير اهتمام الاميركان او حتى الحكام العرب المجاورين لفلسطين. والعمل على اعتقال او تصفية الناشطين في الانتفاضة والمقاومة.
رابعا:احكام السيطرة على المناطق بحيث يصبح معظمها في حكم الاراضي المحتلة بحيث لا يبقى تحت سيطرة السلطة الوطنية من اجل التنفس سوى مساحة لا تتجاوز 5 -10% من مناطق(A) وعندها يكون المشروع الشاروني الذي يعده بيريز وتوافق عليه الولايات المتحدة بما فيه من وعود وضمانات كاذبة ينطلق من:
1. التوقيع على اتفاق جديد يتجاوز ويلغي كل الاتفاقيات السابقة وينطلق من نفس مرجعية السلام قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الارض مقابل السلام وقرارات مجلس الامن 242،338.
2. يتم الاتفاق على اعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على الاراضي التي تقع في المناطق (A+B ( بعد الانسحاب الكامل عنها واعتبارها الحدود المؤقتة للدولة الفلسطينية وتضم كل قطاع غزة + 42% من مساحة الضفة الغربية.
3. يتم الاتفاق على وضع برنامج زمني لمرحلة انتقالية يتم فيها التفاوض حول قضايا الوضع النهائي.
4. يتعهد الاميركان بان تكون الحدود النهائية بعد المرحلة الانتقالية هو الرابع من حزيران وحسب ما يتم الاتفاق عليه بالتفاوض وكذلك قضية القدس.
5. يتم وقف كل اشكال العنف والانتفاضة والتحريض.
هذه البنود التي يعتبر الاميركان والاسرائيليون انها من المؤكد مرفوضة الان، الا انهم يتوقعون ان تصبح مطلبا جماهيريا قد يدفع الرئيس عرفات الى قبوله تحت شعارات وتبريرات يمهد لها الكثيرون ممن يهيؤون انفسهم لوراثته. واذا كان شارون واضحا في خصاله وطبائعه العدوانية وجموحه العسكري وغطرسة القوة، فان ياسر عرفات اكثر وضوحا في تمسكه بالثوابت وبمحافظته على الحقوق الوطنية التي اقرتها الشرعية الدولية. ولهذا فان مخطط شارون والاميركان، ان وصل الى نقطة الحسم فانه لا بد سيواجه صخرة صمود ياسر عرفات. ولكن .. هل نترك هذا المخطط يمضي الى حد اقتحام الحصن الاخير هكذا؟ وكأنه القدر!! جواب الانتفاضة والمقاومة.. لا يجوزذلك. ولا يمكن ان يترك الثور الشاروني الهائج ليحطم متحف الخزف التاريخي للشعب الفلسطيني. فقرون الثور الهائج تنسيه انه يكسر في نفس الوقت خزف المجتمع الاسرائيلي الذي يحلم بالسلام والاستقرار الذي ذاق بعض حلاوته في مرحلة التعايش النسبي التي انفتحت فيها آفاق العالم العربي القريب والبعيد للتجار والسياح الاسرائيليين في مصر والاردن والمغرب وفي قطر وعمان..
ان مهمة الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية والاسلامية، واجهزة ومؤسسات السلطة الوطنية تقتضي الخروج من حالة الطوارئ والاحكام العرفية لتدخل في حالة المواجهة التي تحتاج الى لجنة طوارئ مركزية يشارك فيها الجميع، تقوم خطتها اساسا على المواجهة الشعبية وتعزيز الفعاليات المدنية التي تستقطب الوفود الاجنبية التي تشارك الشعب الفلسطيني موقفه الصمودي، وتنقل صورة الواقع الى العالم اجمع. اضافة الى ان المناطق التي يعاد احتلالها هي اكثر المواقع اهمية للاستهداف لاعمال المقاومة والدفاع عن النفس. وهي مهما كانت نتائجها دموية على الجانب المعتدي فانها تظل مبررة شرعيا ومنطقيا على المستوى الدولي. والاهم على مستوى المجتمع الاسرائيلي الذي لا بد لصوته ان يرتفع ليمنع اصبع شارون الملتحم بزناد العدوان من الاستمرار في جلب مصائب ردود الفعل التي تنتج عن عدوانه.
ان عدم التسليم لخطوات شارون العدوانية وعدم الارتداد على الذات ونكران حق الشعب في الانتفاضة والمقاومة هو من المقدمات الاساسية لحماية المشروع الوطني.. الامر الذي يحتاج الى تلاحم البيت الداخلي وطي صفحة الاعتقالات السياسية والافراج عن جميع المعتقلين الذين اصبحوا في متناول عدوان شارون ضمن خطته الجهنمية.
وان كل الاصوات التي تعتقد ان الاستجابة لمطالب شارون وزيني يمكن ان توقف الجشع العدواني الشاروني الذي يتدرج مع خطة جهنم هي اصوات واهمة. فما اختيار اسم جهنم مجرد صدفة وانما مصداقا لقوله تعالى:
(يوم نقول لجهنم هل امتلأت فتقول هل من مزيد)
صدق الله العظيم
فاتقوا النار يا اولي الالباب
وانها لانتفاضة حتى النصر